ابو ظبي | المرصد | متابعات
انطلق «موسم التسول» قبل حلول شهر رمضان المبارك، هذا العام، للاستفادة من الوضع الصحي الراهن في استعطاف المحسنين، وحثهم على رمضان
ولجأ «متسولون» إلى تصوير أنفسهم كضحايا لظرف قاهر، خارج عن إرادتهم، مثل فقدان العمل بسبب جائحة «كورونا»، أو فقدان المعيل، أو غير ذلك.
وفيما لوحظ تزايد أعداد المتسولين، خلال الأيام الماضية، مقارنة ببقية أيام السنة، حذر مختصون اجتماعيون وقانونيون وأمنيون من أساليب مبتكرة وحيل ماكرة، يستحدثها المتسولون للاحتيال على المحسنين، واستغلال ما يحفل به الشهر الكريم من روحانيات، مشددين على ضرورة إبلاغ الجهات الأمنية بأماكن وجودهم للحدّ من هذه الظاهرة.
ورصدت الزميلة «الإمارات اليوم» زيادة أعداد المتسولين قبل أسبوع من بداية شهر رمضان، واستخدامهم أساليب متعددة للتسول، فضلاً عن اختيارهم مواقع محددة، مثل المستشفيات ومكاتب الصرافة والمواقف الخارجية لمراكز التسوق، عارفين ما ستتركه عباراتهم من تأثير في نفوس مرتاديها.
كما رصدت مرور نساء وأطفال على المقاهي والمطاعم، وصعودهم إلى الشقق وطرق أبوابها طلباً للمساعدة، ولجأ آخرون إلى بيع البخور والآيات القرآنية والسبح، وادعاء الخرس أو اليتم، أو توزيع أوراق مصورة كتب داخلها «طلب مساعدة». وتحرك متسولون في شكل أسرة مكونة من رجل وامرأة وأطفال، وادعاء أنهم قادمون من دولة عربية تعاني عدم الاستقرار، ويبحثون عن عمل، أو أنهم أسرة فقد عائلها عمله بسبب «كورونا»، ويحتاجون إلى المساعدة.
وحذر مواطنون ومقيمون محمد البلوشي، وعمر صلاح، وأحمد عبدالرحمن، ومرام سعيد، وإيمان جمال، من أن «التسول يشوه المنظر الحضاري للدولة، ويتطلب تكاتف شرائح المجتمع كافة لمواجهته ومحاربته»، مشيرين إلى أن «القضاء على التسول يبدأ من الفرد وليس الدولة، ففي حال الامتناع عن منح المتسولين أموالاً سيتناقص عددهم وتختفي الظاهرة».
وأكدوا وجود سبل عدة لعمل الخير، مشيرين إلى الجمعيات الخيرية المنتشرة في الإمارات، والمرخصة من الحكومة، إذ «تلبي حاجة المحتاجين، وتساعدهم على تجاوز محنهم، ويمكن إخراج هذه الأموال إليها لضمان وصولها لمستحقيها فعلاً».
وأفاد اختصاصيون اجتماعيون، مدحت فواز، وسميرة البلوشي، وفاطمة حسن، بأن التسول ظاهرة طارئة على المجتمع الإماراتي، بدأت بالانتشار وأخذت أشكالاً ومظاهر خادعة، لا تعبر عن الفقراء الحقيقيين»، مشددين على التصدي لهذه الظاهرة غير الحضارية.
وقالوا: «مع اقتراب شهر رمضان من كل عام، يتزايد المتسولون وتزداد وسائلهم الاحتيالية لاستدرار العواطف وطلب الأموال، متظاهرين بأنهم عاجزون عن تأمين قوت أسرهم، وهو ما يضع أفراد المجتمع في حيرة كبيرة بسبب رغبتهم في التصدق ومساعدة المحتاجين، خلال شهر رمضان المبارك».
وأكدوا خطورة ظاهرة التسول وضرورة تضافر الجميع في القضاء على هذه الظواهر، خصوصاً أن المتسولين محترفون، وغالباً ما يكونون مخالفين لشروط الإقامة القانونية، أو زائرين يأتون إلى البلاد بتأشيرات زيارة لاستغلال روحانيات شهر رمضان في جمع أكبر قدر من المال، لافتين إلى أن هؤلاء الأشخاص يغيرون من أساليبهم بما يتناسب والظروف المحيطة».
وقال المحامي والمستشار القانوني، علي مصبح، إن «التسول وسيلة لاستغلال القلوب الطيبة، والاستحواذ على أموال الآخرين بطريقة غير مشروعة».
وأضاف: «تتعدد أشكال التسول وأساليبه، إذ يترصد المستولون المارة أمام جمعيات التسوق أو محال السوبرماركت، ويحددون هدفهم، ثم يتجهون لمخاطبته، مختلقين قصصاً وهمية تدفع المستمع إلى التعاطف معها، كأن يطلبوا منه مساعدة مالية بسبب تراكم الديون، أو لشراء الطعام أو لدفع الإيجار، وما إلى ذلك هو من طرق الاحتيال».
ونبه إلى أن «المتسولين قد يكونون على شكل مجموعات، يراقب كل منهم الآخر، ويتبادلون الأدوار حتى لا تحفظ أشكالهم، لكن أخطر أنواع المتسولين من يطرقون أبواب البيوت، إذ لا يستبعد أن يرتكب هؤلاء جرائم سرقة تحت ستار التسول».
وتابع أن «شهر رمضان الفضيل هو أكثر وقت لانتشار المتسولين، خصوصاً قبل الإفطار، حيث يستعطفون الصائمين بكلمات وأدعية، أو يعرضون عليهم سلعاً رديئة، مجهولة المصدر، مثل العطور أو السواك أو المصحف والكتيبات الصغيرة، مدعين أنهم مستعدون لبيعها بأي ثمن، لأنهم لا يجدون المأكل أو الملبس، أو لعدم وجود عمل».
وحذر من التعامل مع المتسولين، «لأن تقديم المال لهذه الفئة يساعدها على نشر الجريمة في المجتمع، خصوصاً أن الغالبية العظمى من أفرادها يمتهنون التسول، ولا نعلم أين تتحول هذه الأموال، ولأي غرض تستخدم، فيجب على كل شخص تجنبهم وعدم الانصياع لهم أو التعاطف معهم».
وأكد أن «الجمعيات الخيرية في الدولة تفتح أبوابها لمساعدة كل محتاج بعد تدقيق ودراسة حالته، ولن تقصر في العطاء، وهذا هو الطريق الصحيح للصدقة أو الزكاة».
بدورها، حذرت وزارة الداخلية أفراد المجتمع من تصديق الروايات والقصص الوهمية التي يروج لها المتسولون، ودفع أي مبالغ مالية لهم، لافتة إلى ضرورة التعاون في الإبلاغ عنهم عبر التواصل هاتفياً مع غرف عمليات الشرطة على هاتف الطوارئ 999، وخدمة أمان.
وواصلت الوزارة جهودها للقضاء على هذه الظاهرة، عبر توعية أفراد الجمهور بعدم الانسياق وراء ادعاءات المتسوقين، أو من خلال تشديد إجراءات الضبط، حيث أطلقت كتيب «كافح التسول» عبر تطبيقها الذكي (moiuae)، ضمن خدماتها التوعوية المجتمعية الذكية، التي تتيح قاعدة بيانات حيوية في المجالات الأمنية والمجتمعية والقانونية لكل مستخدمي التطبيق.
وتضمن الكتيب الإلكتروني تعريفاً بالتسول والقوانين الخاصة بمكافحة هذه الآفة المجتمعية، والعقوبات المرتبطة بها، وطرق الإبلاغ والتعامل السليم مع حالات التسول.
كما تضمن نصائح توعوية بست لغات (العربية، الإنجليزية، الهندية، الصينية، الفلبينية، الأردو، الماليالامية)، مشددة على أن التسول ظاهرة دخيلة تسيء إلى الوجه الحضاري للمجتمع الإماراتي، لأن الدولة وفرت جميع سبل العيش الكريم وشيدت العديد من المؤسسات الخيرية التي تدرس أحوال الناس وتساعد المستحق. كما يعد التسول باباً مشرعاً للجريمة، لأن بعض المتسولين امتهنوا هذه المهنة حتى أصبحت شكلاً من الاستثمار الموسمي. كما نشطت الأجهزة الشرطية في الدولة في ملاحقة المتسولين، عبر تنفيذ حملات دورية لضبطهم في الأماكن التي يوجدون فيها، إذ قبضت على عدد كبير منهم خلال أشهر رمضان الماضية، وبينت التحقيقات أن كثيرين منهم استخدموا عاهات مصطنعة للتغرير بأفراد المجتمع والاستيلاء على أموالهم.
وأظهرت التحقيقات أن معظم الحالات التي جرى ضبطها واستجوابها استخدمت حيلاً كاذبة، وأعذاراً وعاهات مصطنعة، للتغرير بالمحسنين وحملهم على دفع المال لهم.
ودعت الشرطة أفراد الجمهور إلى الإبلاغ عن أماكن المتسولين وذلك بالاتصال بمركز القيادة والتحكم 999، مطالبة أفراد المجتمع الراغبين في التبرع بتسليم تبرعاتهم إلى المؤسسات الخيرية المعتمدة لدى الدولة لتوزيعها وضمان وصولها إلى المستحقين، وعدم إعطاء المتسولين أموالاً، أو الاستجابة لأساليبهم الاحتيالية المضللة، ومآربهم غير المشروعة التي يجنون من ورائها ثروات طائلة.
وأكد أستاذ الثقافة والمجتمع في الجامعة الكندية، الدكتور سيف راشد الجابري، أن بعض محترفي التسول يستغلون شهر رمضان وينشطون للاحتيال على أفراد المجتمع بصور وقصص مختلقة، تحت غطاء الدين والعجز، مشيراً إلى ضرورة تحذير المواطنين والمقيمين من إخراج زكاتهم وصدقاتهم إلا للمحتاجين ممن يعرفونهم، سواء من الأقارب أو المعارف، أو من خلال الأبواب الرسمية الموجودة والمنتشرة في أنحاء الدولة.
وقال إن «العطاء دون قيد لا يأمن جانب الشر، ويشجع على استمرار هذه المظاهر الدخيلة على المجتمع»، مشيراً إلى أن التصدق بالأموال أو إخراج الزكاة لأشخاص لا نعرفهم قد تترتب عليه أضرار مباشرة وغير مباشرة، نظراً لعدم معرفة الشخص بمصير هذه الأموال، ولا إلى من ستذهب، وفي أي وجه ستنفق، مشدداً على أن وضع الزكاة في مصادرها الثمانية المحددة أمر إلزامي يجب الحرص عليه.